الاثنين، 8 نوفمبر 2010

لا .. أيها السادة،
الصحافة ليست " بعبعا "لايجادل أحد في أن الصحافة بكل مكوناتها هي المرآة التي تعكس عمل المجتمعات، وهي واحدة من تلك المهن التي تتطلب وقتا طويلا وجهدا مضنيا لمزاولتها، والمتعارف عليه في كل بلدان المعمور، أن الصحافة سلطة رابعة تمارس رسالتها بحرية مسؤولة في خدمة المجتمع، تعبيرا عن مختلف اتجاهات الرأي العام، وإسهاما في تكوينه وتوجيهه من خلال حرية التعبير، وممارسة النقد ونشر الأنباء، ولها دور تضطلع به.. دور يشكل حجرة الأساس في أي مجتمع حضاري .. خاصة في عصر الثورة الإعلامية التي نعيشها، والتي حولت الصحافة والإعلام بصفة عامة إلى أداة نقل مباشر للحدث، بالصوت والصورة وبالزمان والمكان الذي تجري فيهما الأحداث، الأمر الذي أعطى لرجال مهنة المتاعب قوة حضور، وقدرة على تشكيل الرأي العام، وهكذا نجد أن للصحافة ببلادنا أدوارا ينبغي أن تؤديها، وهناك أيضا مهاما مطلوبة منها تجاه الرأي العام الوطني، الشيء الذي يجعلها حاملة لرسالة يطلق عليها رسالة الإعلام .. هذه الرسالة التي يجب أن تؤدى في أحسن الظروف وعلى الوجه الأكمل، وإلا ستنعت هذه الصحافة بالضعف، وهذا عامل مقنع لجعل القراء والمتلقين - الذين ينتظرون من صحافة بلادهم أن تكون مصدرهم الأساسي، لتطلعهم على ما يجري داخل وطنهم وخارجه - يلجأون إلى الإعلام الأجنبي لعلهم يجدون توجيها أقوى، وخصوصا العالم الآن يعرف الغزو الإعلامي عبر الفضائيات، لتبقى صحافتنا في ظل بعض الأوامر والتعليمات التي تجود بها أمزجة بعض المسؤولين الذين تضايقهم السلطة الرابعة وتقلق راحتهم، بل وتربك حساباتهم كما تنشر فضائحهم، قلت تمنع خدام صاحبة الجلالة من أداء واجبهم المهني المنوط بهم حتى لايعلم الرأي العام الوطني بما تمور به أرض الوطن، ويوم 23 يونيو 2009، تاريخ انعقاد جلسة انتخاب عمدة مدينة الرباط، خير شاهد على الاهانة الجماعية التي وجهت إلى عدد من الصحافيين والصحافيات من مختلف المنابر والقنوات الفضائية الوطنية والدولية، التي حضرت لتغطية أشعال الجلسة المذكورة، بحيث وبأمر من الكاتب العام للولاية منع الصحافيون من تأدية واجبهم المهني، ولم يقف الأمر عند المنع وحسب، بل وصل إلى نعث الصحافيين بأبشع النعوث من طرف نفس موظف وزارة الداخلية، الذي بلغ التوتر به مبلغه، لما توجه لعناصر القوات المساعدة التي كانت تطوق الفضاء قائلا : "شطبوا علي هاد الناموس" ألم يكن حريا بهذا الشخص من موقع المسؤولية أن يؤمن للشعب المغربي عامة، ولسكان مدينة الرباط خاصة، متابعة أطوار انتخاب العمدة الذي سيشرف على تدبير شأن مدينتهم خلال ست سنوات المقبلة، من خلال السماح لحملة الأقلام بتغطية جلسة التصويت، ومجمل القول، فانه ليس الصحافيون وحدهم من تجرعوا مرارة الحرمان من الحضور، بل حتى سكان المدينة أصابهم نصيبهم، مما يعكس بجلاء صورة باهتة وجارحة لقيمة الصحافة ببلادنا و( الحكرة) التي تحظى بها من لدن من بيدهم زمام أمور هذا البلد، الذين يتفننون يوما عن يوم في هدر كرامة الصحافيين، والعمل على تكميم الأفواه بكل أساليب التخويف والترهيب، والحكم بالموت على الصحف التي لاتسير حسب هواهم، وان ما سردته أعلاه لايمثل إلا قطرا من فيض الغصة التي يشعر بها كل صحفي يحترم قلمه ويعمل وفق ما يقتضيه الضمير المهني والواجب الإنساني .. وأجد أن هذه المضايقات ما هي إلا سلوك يترجم ثقافة وضع العصا في العجلة، ما دام أن الجسم الصحفي الوطني بدون مرجعية قانونية جديدة كفيلة بصيانة وجوده واستقلاليته من جهة، ومستوعبة للتحولات الداخلية والخارجية، وقادرة على تحفيز الفاعلين وكافة المتدخلين في قنوات تمويله وتسويقه وانتاجه من جهة ثانية، خاصة في شروط المرحلة الراهنة التي تزايدت فيها الاكراهات والانتهاكات التي تسعى إلى تقليص دوره الإخباري والتنويري والتنموي، على غرار مايوجد عليه في الدول التي آمنت بدوره كسلطة رابعة، وقننت ذلك في دساتيرها، ووفرت له الشروط المادية والقانونية التي تعزز دوره كرأي عام وطني مستقل وفاعل، سواء في الإخبار والمساءلة أو التنوير أو نشر قيم المواطنة والحداثة والديمقراطية، أو الدفاع عن الحريات العامة وحقوق الإنسان، والخصوصية الثقافية والحضارية.

وان الحديث عن المرجعية القانونية تفرضه تحولات مجتمعنا السريعة والأعباء الثقيلة التي يتحملها الفاعلون الإعلاميون في مثل شروط واقعنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي والحضاري الذي لانحسد عليه، من خلال حجم التخلف والخلل والخصاص والاكراهات، التي أصبح الجسم الصحفي في إطارها مستهدفا من قبل لوبيات الضغط التي تتعارض مصالحها ونفوذها مع ما يريده إعلامنا الوطني، والذي وجدت فيه هذه اللوبيات المناهضة للتغيير والدمقرطة والتحديث كبش الفداء، والحلقة الأضعف لتمرير وشرعنة استغلالها ونهبها، عبر فبركة المحاكمات للصحافيين والمقاولات من أجل لجم كل الأصوات المنددة، والمعارضة لتوجهات هذه اللوبيات التي أوصلت الوطن إلى ما هو عليه من تراجع وتأخر بنيوي جعله عرضة لنقذ المنظمات الدولية في كل المجالات، وحتى لايؤول كلامي كمواطن غيور على صحافة بلاده، أقول للجميع أنه لايزال في الإمكان معالجة مايعيشه مشهدنا الإعلامي من عبثية وتأخر وانزلاقات إذا كانت هناك إرادة حقيقية للالتفاف حول جذور المشاكل المطروحة، وفي مقدمتها صياغة المرجعية القانونية الملائمة التي يتطلع إليها شرفاء الوطن في مهنة المتاعب التي يحتاج تطورها نحو الأفضل إلى مشاركة الجميع، فهل سنعيش هذه اللحظة التاريخية، أم أن رياح التغيير لن تهب على بلادنا كما يحدث الآن في أكثر من جهة جغرافية من عالمنا المعاصر..؟ فكفى من الاستخفاف بالفاعلين الصحافيين، ومنع وتجريم وتغريم واعتقال، وعلى من يراهنون على تقليص الهامش المتاح من الحرية أن يدركوا أنه لايمكن تغطية الشمس بالغربال، وأن استقلال هذا الوطن وتحريره وتطوره لابد أن يتحقق مهما كانت قوة الفرامل والحواجز والقيود، وفي مقدمة ذلك امتلاك الوطن لصحافة حرة ونزيهة ومناضلة ومواطنة، سواء أحب ذلك أعداء الوطن أو كرهوا، وعلى جميع الأصعدة.
02 يوليوز 2009



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق