الثلاثاء، 28 أغسطس 2012


الشاعر الغنائي عمر التلباني يتحدى الألم ...!


قال قيس المجنون للعاقلة ليلى:" أنا قيس قبل الزواج، وقيس بعد الزواج ..
لن أتغير ولن أتحول"
وهكذا يريد أن يقول الشاعر الغنائي عمر التلباني .. أو بالأحرى فقد قال: "أنا هكذا وهكذا أنا، لن أتغير .. لن أقلع عن عادتي .. ولن أتخلى عن الكتابة، لأنها بالنسبة لي هي معنى الوجود"، هذا هو عمر التلباني، المتسلح بالقلم والعلم والأمل .. الذي اشتهر بقدرته على توليد المعاني وابتكار الصور المعبرة .. النبع الفياض من العطاء، الذي أبان عن عظمة القدرة على التمييز التي منحه إياها اللـه، والتي ساعدته على  تفتق موهبته مبكرا، كما سمحت له إعطاء شيء غير مألوف للأغنية.. قلما جادت به أقلام الآخرين، بحيث سرعان ما فرض قلمه على الميدان الفني، وبخاصة في عصر عرف بانهيار الأخلاق، وهبوط الذوق.. الشاعر الغنائي المتميز، صاحب المشوار الإبداعي الطويل والحافل بالمعاناة والعطاء، الذي يشهد له التاريخ الفني المغربي، بأنه يؤمن إيمانا راسخا بأن من شروط النجاح قدرة الفنان على إيصال رسالته إلى قلوب الناس في قالب فني ساحر، يؤجج الأحاسيس والمشاعر، ويجعل المتلقين يقبلون هذه الرسالة ويعملون على احترامها، لأن الفن في نظره ليس هو ذلك الهبوط الأخلاقي الذي نراه في بعض كلمات أغانينا اليوم، بل الفن الحقيقي هو كيفية توصيل الرسالة للمجتمع بصورة تحقق التأثير المطلوب في المتلقي، وخير مثال على ذلك ما نجده في كل أعمال شاعرنا الموهوب هذا، الذي يسافر بالأغنية المغربية بعيدا عبر كلام موزون وهادف .. حتى أصبح يتميز بلون خاص في كتابة الشعر الغنائي، مجددا بذلك نمط هذه الكتابة بنوع حديث لم تكن الأذن المغربية تعهده من قبل، ويشمل هذا التجديد كل الأغاني التي خطتها أنامله، التي أخذت بعدا آخر غير ذلك المألوف من لدن بقية الشعراء الغنائيين المغاربة، والتي أضافت شيئا متميزا للساحة الغنائية، وهذا لم يكن إلا تأكيداً جديداً على قدرته النادرة في التمسك بالفن الراقي، الذي يترك بصمات واضحة في الذوق الفني العام، وهكذا فقد ساهم في تغيير مسارات العديد من الفنانين، الذين أصبحوا أسماء لامعة في الساحة الفنية المغربية، الشيء الذي أكسبه محبة الجماهير المغربية، التي لا تنكر ما له من فضل على الكثير من فناني الطرب والغناء بالمغرب، نظرا لانفراده في انتقاء المواضيع المواكبة لتطورات ومتغيرات العصر الحديث، التي تتوفر فيها أصدق صور الحياة  وأدق المعاني التي يترجم من خلالها ما يختلج في قلبه من مشاعر وأحاسيس، وهذا بالضبط هو سر خلود أعماله الناجحة، التي بدون شك أنها لاقت صدى طيبا من
لدن المتلقي، سواء داخل الوطن أوخارجه.

و لا أفشي سرا إن قلت، قد أدهشني مؤخرا الشاعر الغنائي عمر التلباني أكثر بجرأته وتحديه للمرض، الذي آلم به خلال الأيام القليلة الماضية، والذي لم يستطع (المرض) منعه من حنينه إلى الكتابة، التي قال عنها أنها بالنسبة له هي معنى الوجود، ورغم أنه لازال ينتظر موعدا مع عملية جراحية في الآتي من الأيام، فإنه لم يبد قلقه حيال المرض إطلاقا.. تاركا كما يقول دائما الأمر للـه، لأن عزة نفسه وتعففه تمنعه من طلب المساعدة والرعاية الصحية التي  يحتاجها، كما أنها أيضا تمنعه من طلب العون ومد اليد من أجل الاستجداء، وتدفعه إلى الإصرار على بذل الجهد وتكثيف الجهود لتحقيق النجاح ، والدليل أنه في عز وعكته الصحية، دفعه حبه لعمله الفني للتغلب على آلامه، بحيث لم يبخل على رفيق دربه في النجاح، الموسيقار عبد الوهاب الدكالي، لما لجأ إليه طالبا منه إنجاز أغنية جديدة، إذ سارع بتأليف أغنية يتعلق موضوعها أساسا بالتحرش الجنسي، الذي يعتبر ظاهرة  مشينة بكل المقاييس، والتي انتشرت في الآونة الأخيرة مشاهدها في مختلف الأماكن .. الإدارات الحكومية  والخاصة على حد سواء .. الشوارع في واضحة النهار .. في الأسواق ووسائل النقل وغيرها من المرافق العمومية الأخرى، وقد أعطى الشاعر التلباني تعريفا له، (التحرش الجنسي) بقالب فني جميل، وصور من خلال الكلمات الهادفة بشكل عام مختلف حالاته، التي تترتب عن انهيار الأخلاق والقيم التي تنبني بها الحضارات، محاولا قدر المستطاع معالجة الوضع، وداعيا إلى التزام العفة والابتعاد عن الانحراف، وعن الأفعال التي تتنافى مع قيم ديننا الحنيف.
وفي ختام هذه الإشارة القصيرة، أتمنى أن أكون قد وفيت شاعرنا الكبير، ولو جزء قليل مما يستحق، وداعيا له بهذه المناسبة بالشفاء العاجل، حتى يظل ذاك الهرم الشامخ في مجال الشعر الغنائي المغربي .. ليتحفنا جميعا بمزيد من قصائده المفعمة بالحنين والعشق،التي يصور من خلالها الكون بمفردات أنيقة ومعاني سامية، تتسم بالبساطة، سرعان ما تجد طريقها إلى الوجدان، لتزيده تألقا وانتشارا واسعا في الميدان الفني.