السبت، 11 يونيو 2011

على هامش محاكمة صاحب عمود "شوف تشوف"
الصحافيون المغاربة، لايملكون إلا الصبر والانتظار ...!


ُنِصحَ الصحافيون بالصمت  .. لأنهم إذا تكلموا فقد يُغضبون (...) قيل لهم مهما كان ويكون لا تنفعلوا، ف. غضب  - اللي على بالكم - ( المخزن ) قد يكون حادا كطبعه .. وكلامه .. وتصرفاته .. وقد يهدم " الهيكل " على رأس الجميع .. والهيكل هنا هو مشروع قانون الصحافة المنتظر، الذي قد يأتي  أو لايأتي،  والذي وُرِث من السلف الراحل

وقيل للصحافيين أن يصبروا .. وقيل للصحافيين أيضا أن ينتظروا، الانتظار .. الانتظار .. ثم الانتظار وإلا الغضب ..!  والصحافيون صامتون، صابرون لايتكلمون .. للأوامر منفذون، مثلهم في ذلك كمثل الدابة التي يشد صاحبها حبلها، متى شاء ويطلقه متى شاء، منتظرون، وكأن على رؤوسهم ألف طير، لاطائرا واحدا .. يختارون كلماتهم بدقة -  إن هم سمحت لهم الظروف بعد إذن  (...)- يراجعون تصريحاتهم بأناة، ويحسبون خطواتهم  وكأنهم يتعلمون " الحبو "  لامانع في هذا الوقت لدى الذين نصحوا الصحافيين بالصمت، والصبر، والانتظار، لو تداول الصحافيون في أمرهم  واجتمعوا، وتشاوروا، شرط أن لايصدروا  قرارا، وان كان هناك من قرار، فليكن  قرار الصبر والانتظار

فالانتظار في نظر صاحب النصيحة (...) هذه الأيام فضيلة، خاصة وأننا أمة أدمنت الانتظار .. منذ القدم، ونحن في حالة الانتظار، كل تاريخنا، كان تاريخ انتظار .. من انتظار دمقرطة توزيع دعم الدولة المادي إلى انتظار بطاقة الصحافة السحرية، ومن انتظار قانون جديد للصحافة يوضح المعالم إلى انتظار الانتظار نفسه، ومن انتظار العمل على حذف العقوبات السالبة للحرية إلى انتظار تطبيق العدالة واستقلال القضاء، ومن انتظار اعتبار حرية الرأي والتعبير حق من حقوق الإنسان إلى انتظار تخويل الصحافيين الحق في الوصول إلى المعلومة والسماح بنشرها دون قيد أو شرط، و من انتظار وانتظار وانتظار إلى انتظار ...!

وكم مرة، قفزت إلى أدهاننا فكرة لملمة حقائبنا نحن الصحافيين، الذين لامظلات لنا، لنذهب إلى عاصمة المملكة، زرافات وليس وحدانا، وكان حلمنا أن نغادر قاعة الانتظار التي فرضت علينا الإقامة بها، وكم كان أملنا كبيرا افتراش التراب أمام باب وزارة الاتصال، ننتظر معجزة تطبيق حق المساواة بيننا وبين الذين يعرفون من أين تؤكل الكتف، وسرعان ما عدنا إلى رشدنا وطردنا الفكرة من أدهاننا، لما علمنا أن قرارات الوزارة الوصية لاتتغير ولن تتغير، رغم تناوب العديد (منهم) على حمل حقيبتها، ومن يومها ونحن ننتظر .. فما المانع اليوم إذا انتظرنا وصبرنا قليلا ..؟!  

وأنا أخط مسودة هذا الموضوع .. قفزت إلى دهني معلومة قديمة قدم انتظارنا، المتجلية في واقعة طريفة، وهي أن أحد رؤساء مصر "السابقين" الراحلين إلى دار البقاء، بعد زيارته الشهيرة إلى القدس، استدعى الزميل الكبير أحمد بهاء الدين، وقال له وعلى شفتيه ابتسامة صفراء عريضة : ما الذي تنوي أن تفعله الآن؟ ودهش بهاء  .. واستوضحه ما يقول، ورد عليه الرئيس: لأنك وغيرك من الكتاب والصحافيين العرب أصبحتم فجأة بلا عمل .. إنكم عشتم طويلا على الكتابة، عن الصراع العربي - الإسرائيلي، وهذا انتهى الآن، وانتهت معه الموضوعات التي لم تعرفوا غيرها  للكتابة ..!!  " فإذا بشيطان الكتابة يهمس في أذني قائلا: وأنتم أيها الصحافيون المغاربة، ما الذي تنوون فعله اليوم بعدما صُمت الآذان، ولم يبق أحد يرغب في سماعكم وأنتم تحاربون الفساد بكتاباتكم، وتشيرون بأصابعكم إلى المفسدين المتربعين على كراسي الحكم، هذه الكراسي التي يقولون عنها .. لها جاذبية، و إن من يجلس عليها لا يقوى على تركها طائعا مختارا، وبكل فخر واعتزاز أجبت شيطاني: لاخوف على الصحافيين في هذا البلد، لأن رياح التغيير قد تحركت، ولنا موعد مع الإصلاح الذي سيمكننا بعد أيام قلائل أو أسابيع مقبلة، من الوقوف في وجوه العابثين، الذين أينعت رؤوسهم وحان وقت قطافها، وسيكون لنا الحق الكامل في أن نحاكم أصحاب المسؤولية الذين ساعدوا على تهييء الفرص، وساهموا في فتح الأبواب على مصراعيها أمام أبطال السرقة والنهب .. والذين يسعون  جاهدين لخنق أفراد هذا الشعب .. بعد أن عملوا على التخريب على جميع الواجهات، وقد حلفوا بأغلظ الإيمان أنهم لن يتوقفوا عن عمليات السلب والنهب واحتقار المواطنين المطحونين تحت رحى الفساد، حتى يرث اللـه الأرض ومن عليها، لأن هؤلاء المفسدين لايوقفهم عند حدهم  إلا التغيير.. التغيير الذي سيصفع به المغاربة الأشراف حيتان الفساد، فعاود شيطان الكتابة همسه وهذه المرة باستهزاء: أي تغيير تنشد، ألم يأت في خطاب تاسع مارس على لسان ملك البلاد: "...  ترسيخ دولة الحق والمؤسسات، وتوسيع مجال الحريات الفردية والجماعية، وضمان ممارستها، وتعزيز منظومة حقوق الإنسان، بكل أبعادها، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية، والثقافية والبيئية، ولاسيما بدسترة التوصيات الوجيهة لهيأة الإنصاف والمصالحة، والالتزامات الدولية للمغرب ..." فأين أنتم من هذا ؟ هل تعتبر محاكمة زميلكم في المهنة، مدير يومية "المساء" تستجيب إلى ما أشير إليه أعلاه ؟ لماذا داست عجلة القضاء قانون الصحافة واستبدلته بالقانون الجنائي، رغم أن القضية هي قضية نشر لا غير ؟ أليس هذا اعتداء خطير على حرية الصحافة التي يريدون إخراس صوتها، ألم يكن من واجب الدولة الملتزمة بالثقافة المنفتحة والمتشبثة بالديمقراطية، حماية حرية الكلام، وحرية الصحافة، وحرية العقيدة، وحرية الارتباط والتجمع، وحرية مسيرات الاحتجاج السلمية، وكذا حرية الإضراب..؟ أليس هذا هو الهدف من التغيير والإصلاح المرتقبين ؟

وبكل فخر واعتزاز مرة أخرى، أجبت شيطاني العنيد بقولي: تعودنا نحن معشر الصحافيين أن نتلقى من حين لآخر بعض الصفعات التي يريد أصحابها ثنينا عن سبر أغوار عوالم فضائحهم، وفتح ملفات الفساد المستشري في هذا المجتمع، ولكن من الطبيعي - بالنسبة للإنسان السوي-   أن يتقبل الشوك حبا في الورد، وهكذا تجدنا نتقبل كل ما يصنع لنا خصيصا للنيل منا ظلما وعدوانا، وذلك في سبيل إطلاق صوتنا مذويا من أجل فضح كل فعل يستحق الفضح، وهذه بكل بساطة تعد ضريبة مواقفنا الشجاعة ندفعها طائعين كما دفعها بالأمس أسلافنا، وهذا أيضا انطلاقا من قناعتنا بأهمية الإعلام، وأداء للأمانة الملقاة على عاتقنا، ورغبة منا في الإسهام في خدمة قضايانا الوطنية، والتزاما بمشاركة المواطن المغربي في حمل همومه، ووضع حد للضالعين في علم طمس وتشويه الحقائق الذين يسيؤون - بتحاملهم على خدام مهنة المتاعب  – لحرية الصحافة التي تدافع عن أمجاد ألأمة، والتي تقاوم الفساد بكل ما أوتيت من قوة ونفوذ، وتدعو إلى التغيير..  وتسعى دائما إلى كشف الحقائق بالبراهين الدامغة، ولم يقف الشيطان المريد عند حده، بل تمادى في حثي على أن الأمور لاتطمئن .. ووضعني أمام الأمر الواقع بوضعه أسئلة مستفزة، حصرها في الآتي: مادور النقابات والرابطات والتنسيقيات المعنية بمهنة المتاعب وهيئة الناشرين بالمغرب ؟ لماذا اختارت هذه الأخيرة السكوت، لماذا لم تنتفض لما ظلمت أمة الصحافيين، لماذا لم تهب للدفاع عن زميل في محنة، واكتفت فقط بالشجب والتنديد من بعيد ؟ لماذا ولماذا ..؟

وهنا لم أجد بدا من الاعتراف بأن الصورة اليوم قاتمة، إن لم تكن سوداوية حالكة الظلام، وقد يحسبني بعضهم متشائما أكثر من اللازم، لما أقول إننا ذاهبون إلى الهاوية والضياع المحتوم، لكنها الحقيقة والمصير الذي سيكون حليفنا ما لم ننهض لايقاف معاول الهدم والتدمير، وكل ما نخشاه هو أن نستيقظ من نومنا في يوم من الأيام ونجد أن المغرب أصبح بدون صحافة، إن تحققت فعلا أمنية النيابة العامة، التي التمست في مرافعتها أثناء المحاكمة الفريدة من نوعها،  منع الزميل رشيد نيني من مزاولة الصحافة في المؤسسات الإعلامية الصادرة في المغرب، كما منع بالأمس القريب الصحافي علي المرابط من الكتابة بطرق مباشرة وأخرى غير مباشرة، وغيره كثيرون  .. وبهذا نكون محرومين من الوصول إلى تحسين أوضاعنا، وتطوير أساليب تدارسنا للقضايا التي تهم مصيرنا.

 وما منطوق حكم وأد الصحافة، والذي كان ضحيته يوم الخميس الأخير صاحب عمود "شوف تشوف"، إلا دليلا قاطعا على كل ما سبق ذكره، بحيث صفعنا الواقع .. وفاجأنا العدل الذي هو أساس الملك، ولقننا درسا جديدا مخالفا للمفهوم الجديد للسلطة الذي أراد ترسيخه قائد البلاد جلالة الملك محمد السادس، وفي رأينا، أنه مازال أمامنا نصف قرن آخر من الكتابة، إذا أمد اللـه في عمر أحدنا .. وإذا سمح لنا بذلك الذين يريدون تكميم الأفواه، وربما لانجد إلا الصبر والانتظار .. واللبيب بالإشارة يفهم ..!