الاثنين، 8 نوفمبر 2010

أيها الصحفي الجهبد ..
ترى ماذا يفعل حرف الجرفيما يتبعه..؟!         
ذ.محمد زمران


فسحت الصحافة الالكترونية الحديثة العهد بالحقل الصحفي، والتي بدأت بصورة عشوائية، ودون أي نظام يذكر المجال للعديد من الأشخاص الذين لا إلمام لهم بميدان الصحافة، قلت فسحت لهم المجال، لأن جل جرائدها التي ركبت على حرية الصحافة والتعبير لاتعمل إلا على نسف أخلاقيات المهنة، بحيث تهدي الفرص الذهبية لأقلام كل من هب ودب، وتفتح الأبواب على مصراعيها لأولائك الذين يمتازون بضحالة مستواهم الفكري والثقافي، والذين ليس بينهم وبين الكتابة الصحفية أو حتى الأدبية إلا الخير والإحسان، ولا يتوفرون على أي ثقافة قانونية تساعدهم على معرفة حقوقهم وعدم التعدي على حقوق الآخرين، لتبقى تصرفاتهم بعيدة كل البعد عن الواقع الإعلامي بصفة عامة، لأن مايأتون به يعد من الكتابات الفارغة من المعنى .. أجل كتابات فارغة من المعنى، تجبر القاريء أن ينعتها بأنها قمة في الرداءة والاستبلاد والتفاهة، وهي أيضا استهتار بالناس وسخرية منهم .. لأنه كلما كثرت مثل هذه الكتابات الفارغة سقطت قيمة القلم، والمشكل الذي يحير الأذهان في الحقيقة هو أن لاأحد من الكتاب "المزعومين" طبعا يستطيع تحمل المسؤولية ويطرح على نفسه الأسئلة التالية : من أنا ..؟ ولماذا أحمل القلم ..؟ ولمن أكتب ..؟ ولماذا ..؟. وهكذا تجدهم يتصرفون تصرفا ينال من شرف المهنة، ولايحترمون ذوق وكرامة الجمهور، لتصبح (كتاباتهم) تنعت ب.المزابل الصحفية لما تضمه من مواضيع لاتمت للصحافة بصلة، وبعيدة عن كل طرح جاد ومعقول يعطي بعدا إضافياً لصحافتنا، رغم أن المتعارف عليه أن مهمة "تثقيف" الشعوب انتقلت من أيدي الفلاسفة والكتاب إلى أيدي الصحفيين، شرط أن يكون هؤلاء من الذين قال فيهم ربنا عز وجل ''يرفع اللـه الذين آمنوا والذين أوتوا العلم درجات''.و إن ما جعلني أصطدم كليا مع واقع أليم، بل ومرير، هو ماتشهده الحركة الثقافية والأدبية والفكرية على كل المستويات في بلدنا الحبيب، بحيث أصبح ميدان الصحافة مهنة من لا مهنة له، يدلي فيها بدلوه كل من تعلم فك الخط، ليصبح بفضل تعاون الجرائد الالكترونية المشار إليها أعلاه، يرى في نفسه أنه "نابغة عصره"، بيد أن الأمر في الحقيقة في الوضع الراهن يدعو كل ممتهن شريف لمهنة الصحافة هاته إلى تحطيم قلمه والتخاصم مع " شيطان الكتابة " .
وبعد هذه المقدمة، أجدني مضطرا لأهمس في أذن ذاك الذي تجرأ على مجال الكتابة الصحفية، ودون أن تحمر وجنتاه من الخجل سمح لنفسه - في غياب قانون يحدد معالم الصحافة ببلادنا – لالصاق صفة "صحفي" بنفسه، بحيث أنشأ مدونة تحت عنوان (موقع الصحفي فلان الفلاني) ومصيبته المسكين أنه يسكن المنصوب ويرفع المجرور وهلم جرا، وهذه مقتطفات من بعض كتاباته (... من هنا نكتب انه عيب على سياسيو المغرب...) (...إن الكبرياء والإدعاء وضيق النظر تعتبره القوانين الطبيعية فشل...) (...وإذا كان من عبرة تستخلص من هذه الذكرى الوطنية وغيرها من الذكريات المجيدات...) (... في كل مرة أصبحنا نسمع عن متسيسين دون المستوى قيدت أسمائهم للظفر بمقعد . منهم من لا يتقن لا اللغتين العربية والفرنسية ولا حتى الكتابة ومنهم من لم يتجاوز السنة الدراسية السادسة ثانوي ومنهم من كان خضارا ومنهم من كان حدادا...) ونسي الصحفي الجهبد أن يذكر مثلا منهم من كان كتبي - اعني بائع كتب -.
وهكذا يمكن للقارئ أن يقف على جهل هذا الصحفي الذي يظلم المهنة بانتمائه لها، ويقف أيضا على تفاهة ما يكتبه،ومثل هذا كثيرون تساعدهم الصحافة الالكترونية كما سلف ذلك على الهجوم على مهنة الصحافة النبيلة.
وهنا يبرز التساؤل الذي لطالما قظ مضجع العديد من المهنيين والذي هو: "هل يمكن تسمية كل من يكتب بموقع على الإنترنت ب.صحفي،" هذا هو السؤال الذي يحتاج إلى إجابة واضحة وسط هذا الكم المتراكم من الكتاب المزعومين، الذين تضافرت جهودهم وشرعوا هذه الأيام في البحث عن صيغة يتبثون بها وجودهم في مجال الصحافة ظلما وعدوانا، غير عابئين بما تتسبب فيه بعض"الصفحات الالكترونية" من ضرر، وقد صدق من قال: " قد لا يستطيع إلا خريج كلية الطب أن يكون طبيبًا، ولكن يستطيع من هو نصف أميّ أن يكون صحافيًا" وعلى رأي جوزيف بوليتزر، الصحفي المَجري الأصل، الذي أصبح ناشر النيويورك ورلد، ورئيس تحريرها، الذي قال إن الصحافة هي أكثر المهن حاجة إلى أوسع المعارف، وأعمقها، ويسأل في نفس الوقت هل يصح أن تُترك هذه المهنة، ذات المسؤوليات الكبيرة، تُمارس من دون أي تأهيل منتظم، وهذا ما يؤكد أن الصحافة فن، والراغب في العمل فيهـا لا بد أن يكون ذو موهبة، فضلا عن توفره على ثقافة عامة وتجارب عديدة.
ولايسعني إلا أن أختم ب. اما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيبقى في الأرض..!
24 شتنبر 2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق