السبت، 6 نوفمبر 2010

سيادة المفكر العبقري ..

لا تلمن المرآة إن كان وجهك قبيحا ... !
في السنوات الأخيرة كثر الكلام في بلادنا عن البطالة، واشتد الجدل حول سبل مكافحتها والتخفيف من حدتها، ودارت المناقشات هنا وهناك، حيث حاول الكثير من المجتهدين تقديم النصح للمسؤولين قصد مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة، خصوصا بعد أن تفشت في صفوف نخبة وأطر بدرجة الدكتوراه، ولقد أخذ النصح في هذا المجال أكثر من صورة .. فتح الباب أمام الاستثمارات الخارجية ورفع الحواجز الجمركية، تقديم الدعم للمقاولات الصغرى والمتوسطة، التخفيف من عبء الضرائب المفروضة على القطاع الخاص .. وتبقى صورة غريبة لاتنفتأ بعض العقول تروج لها وتطبل، مفادها اللجوء إلى الدول الغربية، وخصوصا "فرنسا" لمحاربة ظاهرة البطالة ..! وقال مؤخرا المفكر العبقري في افتتاحية جريدته: ( اللي على بالكم ) "... على فرنسا أن تقوم بواجبها في حل مشكل البطالة باعتبارها الدولة المسؤولة عما آل إليه الوضع الاجتماعي بالمغرب .. إن النهضة بالمغرب تتحمل مسؤوليتها دولة الاحتلال سابقا" ..! ( اللـه أكبر أسيد الفاهيم ) نعم لا يمكن لأحد أن ينفي دور الاستعمار في تردي الوضع العام، فتلك حقيقة ليست موضع نقاش أو جدال، لكن تحميل الاستعمار مسؤولية التنمية ببلادنا فذاك هو عين السخرية والاستهتار .. والهروب إلى الأمام، لا تقل - ياسيدي الخبير- أن أسس الأوضاع التي تجتر فصولها الآن قد تم إرساؤها في عصر ما قبل الاستقلال، وان فعلت بادرتك بقولي: العذر أقبح من الذنب .. لقد تسلمنا زمام أمورنا وامتلكنا سلطة القرار ولم يكن ثمة ما يحول بيننا وهدم تلك الأسس .. إن محو آثارالاستعمار كان من المفروض أن يحصل منذ أمد بعيد، فما الذي منعنا من ذلك ؟ انك تعلم - كما يعلم الجميع- السبب .. لقد رحل الاستعمار ولم ترحل ثقافته وفلسفته، إنها متجدرة في عقول أشخاص منهم من تقلد المناصب وبات يخطط ويرسم مستقبل البلاد، ومنهم من تزعم تيارات الإصلاح وصار يقدم النصح والتوجيه لمن هم في مراكز القرار .. التقت المصالح والأهداف - أيها المحلل العبقري- كما التقت العقول وطرائق التفكير، وكانت النتيجة - أيها المفكر الجهبذ - الحالة المتردية التي يعيشها المغاربة اليوم، والتي لايحسدون عليها .. تفويضات لشركات أجنبية بالجملة، زيادات متتالية في كل شيء ( من تحت الدف ) خرق بنود العقود والالتزامات الجاري بها العمل من طرف اتصالات المغرب، التي لم تتأخر في تقديم هدية للشعب المغربي بمناسبة حلول السنة الميلادية الجديدة 2008 والمتمثلة في الزيادة في ثمن الاشتراك في الهاتف الثابت دون استشارة الطرف الآخر الذي هو الزبون، وهناك على الخط الآخر "ليديك" التي تعمل على استبدال عدادات الماء والكهرباء بدون سابق إعلام، تحت ذريعة أنها (العدادات) لا تستهلك القدر الذي يروق أصحابنا في الشركة المذكورة، واللائحة طويلة، أما الزيادات في أسعار المواد الأساسية والتي بها يضمن المواطن الفقير وجوده في هذه الحياة التي قيل عنها ( تعب كلها الحياة ) فحدث ولا حرج.


انك تعلم - عزيزي الخبير- أن الفكرة التي تبشر بها الآن على صفحات جريدتك الغراء هي من إبداع أحد مهندسي السياسات الاستعمارية القديمة .. (فنصيحتك) ما هي إلا جزء من مخطط ترومان لسنة 1949 الذي تبلور في خضم الحرب الباردة المستعمرة آنذاك بين الإيديولوجيتين المتصارعتين، ففي مواجهة خطر الثورة البلشفية التي كانت تلتهم الثورات الاجتماعية في العالم الثالث، نمت الدعوة إلى المساعدة لتمكين المجتمعات المتخلفة من اللحاق بالمجتمعات المتطورة، والفكرة كما هو واضح تقوم على تصور أن البعض متفوق على الباقي، وبالتالي فهو مؤهل لقيادة وتحديد ومراقبة نمو الباقي .. لقد وجدت هذه الفكرة مجال تنفيذها في العديد من دول العالم، ولم تؤد إلا إلى المزيد من التبعية، إذ لم يسمح للناس بتحمل مسؤولية تنمية مجتمعاتهم، فكانت المساعدة - على حد تعبير الدكتور المنجرة - هي السيدا AID IS AIDS)) فهي تحطم دفاع جهاز المناعة وتحطم قدرات الجسم البشري على الدفاع عن نفسه. عزيزي المفكر، إن التنمية الحقيقية تتم بالاعتماد على الذات، فهي صيرورة عضوية للنمو السليم للقدرات المبدعة، يمكن تسهيل وتنشيط هذه الصيرورة بواسطة عوامل خارجية، لكن كل محاولة لفرض مغاير خاصة عليها من خارجها لن تؤدي إلا إلى بترها .. فالفكرة ليست خاطئة على المستولى العلمي فحسب، بل إنها تعرقل التنمية عبر تكريسها لعلاقات أبوية بين مجتمعات الشمال ومجتمعات الجنوب، وأكثر من ذلك .. وهناك يكمن الخطر.. فإنها تخلق الاعتقاد عند المواطن بأنه من مرتبة أدنى، وبالتالي لابد من التخلي عن قيمه ومبادئه لصالح قيم ومباديء الطرف الآخر، فتضيع الهوية وتهتز الثقة في النفس.


إن حل مشكل البطالة يتوقف على حل مشكل التنمية، وحل هذه الأخيرة رهين بقدرة المجتمع على التطور والنماء بالاعتماد على الذات، فالذي ينبغي أن نصب فيه جهودنا ونوليه الاهتمام الأقصى هو تربية المواطن على الاعتزاز بالذات وبأنه إنسان ليس أقل شأنا من أي كان، فما دامت التنمية صيرورة ذاتية، فلا بد أن تكون الذات غير مريضة، وأن تكون واثقة من نفسها ومتشبثة بكرامتها وإنسانيتها، وينبغي أن نكف عن إلقاء مسؤولية تخلفنا على غيرنا، وأن نتوقف كلما حلت بنا كارثة عن استخدام هذا المنهج التبريري لقصورنا الذي طال أمده. كم هو جميل - سيادة المفكر- أن تبحث عن حلول لمشاكل غيرك، وكم هو نبيل أن توظف نفسك في معالجة أزمات مجتمعك، وكم هو أجمل وأنبل أن لا تلمن المرآة إن كان وجهك قبيحا .. ! واعلم في الأخير( أن المكسي بديال الناس عريان )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق